.jpeg)
بقلم: جعفر فرح- مدير مركز مساواة
يعاني مجتمعنا من تضييق الحيز العام وتضطر غالبية الرحلات المدرسية والعائلية والشعبية الى البحث عن مواقع سياحية في البلدات اليهودية من ايلات الى الجولان السوري المحتل. حيث لم تقم السلطات المحلية العربية بتطوير مسارات سياحية على الرغم من وجود بنايات تاريخية وقلاع تقع داخل البلدات ووجود أراض زراعية وأحراش بجانب البلدات العربية. وقد لفت نظرنا ما قام به مجلس جلجولية المحلي خلال السنة الأخيرة من تطوير لمسار مشي وركوب الدراجات بجانب الوادي في القرية. وكنا في السابق قد رافقنا مجلس محلي جسر الزرقاء في بناء مسار سياحي يدمج بين شاطئ البحر وقرية الصيادين مع نهر التماسيح والدمج بين سياحة الوديان والانهر والسياحة البحرية المتطورة في مناطق مختلفة في العالم. بالإضافة إلى أهمية السياحة للاقتصاد المحلي، تساهم السياحة في تعميق الانتماء وتسويق المنتجات المحلية.
الإرث العمراني
من يتجول في أسواق الناصرة وشفاعمرو وعرابة وحيفا ويافا ودير حنا يكتشف موروثا عمرانيا رائعا تم إهماله ليتحول الى مصدر إزعاج للجيران. والأحياء التاريخية أصبحت تعاني من الأهمال والأوساخ ودخول عالم الإجرام الى هذه الأحياء. وبدل الحفاظ على الموروث العمراني الجميل، أصبحنا نبني نماذج غريبة من العمران الجديد، الذي يعتمد على الهندسة الغربية ويتجاهل العلاقة بين تصميم المكان وجغرافية الوطن وتاريخ وثقافة المستخدم.
من يزور أثينا او روما يكتشف فيها موروثا عمرانيا جميلا تحول الى متاحف ومطاعم تحكي قصص تطور المدن على مدار التاريخ.
قامت المديرة السابقة لقسم الثقافة العربية لبنى زعبي بتطوير مشروع لاستصلاح البنايات التاريخية المهملة والمغلقة وتحويلها الى مرافق ثقافية تحتضن المتاحف والمكتبات والامسيات الثقافية داخل الأحياء القديمة. ورصدت لهذا الهدف ميزانيات لم يتم استنفادها حتى الان من قبل وزارة الثقافة وسلطة الآثار، التي تصادر الإرث المنقول وتنقله الى المتاحف الإسرائيلية، بدلا من بناء متحف يحافظ على هذا الإرث بالبلدات العربية. ومن الضروري بناء المتاحف لتعريف الجيل الشاب على الإرث والتعريف على حضارة وتاريخ السكان الأصليين.
أسواق وادي النسناس وعكا كنماذج
تطورت في أسواق وادي النسناس بحيفا ومدينة عكا سياحة شعبية تعتمد على الموروث العمراني والطعام العربي. وحسب إحصاء قامت به مخططة المدن سعاد نصر مخول، مؤسسة جاليري حيفا في حي وادي النسناس هناك على الأقل 20 مطعما عربيا بملكية نساء من الحي. وقد تم خلال السنوات الأخيرة فتح عدد من المبادرات التجارية – الثقافية في الحي منها "متجر ياقوت" لفن الخط والهدايا، جاليري حيفا والذي يعرض أعمال المهندسة والفنانة سعاد نصر مخول، مسرح المجد، جاليري ومرسم الفنان عبد عابدي ومرسم وجاليري الفنان كميل ضو الى جانب دكان الات موسيقية بملكية الفنان بشارة ديب، والذي يتخصص بصناعة آلات "العود" ويبيعها الى جانب آلات موسيقية متنوعة.
اصبح الدمج بين الثقافة والمطاعم وسوق الخضار موقعا سياحيا فعالا يساهم في تطوير المدخول لكافة المصالح التي نمت وتطورت داخل السوق. وهذا التطور ممكن ان يحدث في سوق عكا والذي يتحول الى مركز سياحي وتجاري في فترة الأعياد. ان بلورة مخططات لإعادة فتح البنايات التاريخية تتطلب تشجيع للمبادرات المحلية والقطاع الخاص الى جانب تطوير البنية التحتية للمرافق المجاورة.
تعميق الانتماء بين الشباب
طرحت على مجموعة من الشباب خلال ورشات مركز مساواة الصيفية سؤالا بسيطا "اعطوني اشي مميز وجميل من بلدكم ؟ ". ذهلت عندما سمعت الإجابات وشعور الغربة والغضب بين 90% من المشاركين والمشاركات في الورشة. أرسلتهم للعبة البحث عن الكنز في حي وادي النسناس حيث أشرنا الى المواقع الخاصة والجميلة الموجودة في الحي. رأينا وجوه المشاركين بعد الرجوع من اللعبة حيث قاموا بتوثيق المواقع الجميلة بواسطة هواتفهم النقالة. قمنا برفع الصور على خارطة الكترونية تفاعلية وفيلم قصير. دمجنا بعض الصور من زيارة المجموعات الشبابية الى سوق مدينة الناصرة. وفي أعقاب التفاعل طرحت مجموعات من شفاعمر وعرابة فكرة تنفيذ مشروع سياحة شعبي في بلداتهم وها نحن ننفذ هذه الفكرة التجريبية بعرابة، "قلب الجليل النابض" كما أطلق الشباب على مشروعهم.
ومنذ الورشات الصيفية أصبحنا نشهد تواصلا اسبوعيا لمجموعة من الطلاب وعلى رأسهم عمر عاصلة، رئيس مجلس الطلاب البلدي وزميلاته ملك صح، ملك عاصلة وريما عرابي، واحتضنت شكرية نعامنة "زنبرك التطوع" والمبادرات في مدينة عرابة المجموعة الشبابية ووضعت كافة طاقاتها وعلاقاتها لتطوير المشروع. ونجحت خلال الشهرين الأخيرين في اقناع كافة أصحاب البنايات المغلقة بفتحها ووضعها تحت تصرف المجموعات الشبابية التي تطوعت لتنظيفها وتحضيرها ليوم السياحة التجريبي.
ومن يوم ليوم انضمت مجموعات إضافية الى المبادرة وطلبوا إضافة اللوغو متفاعلين بمحبة وفخر ببلدهم ومرافقها التاريخية والزراعية.
التقت المبادرة الشبابية مع سلم أولويات قيادة بلدية عرابة التي وضعت كافة مرافقها تحت تصرف المبادرة.
مخططات على ورق
عند التحضير لبرنامج "عرابة قلب الجليل النابض" اكتشفنا وجود "مخطط استراتيجي للسياحة في مدينة عرابة". مخطط تم الاستثمار في تطويره وكتابته ولكنه بقي حبرا على ورق دون تنفيذه على الرغم من حجم الاستثمار في كتابته.
وكأي برنامج او حلم يجب ان نجد من يخرج الحلم الى برنامج عمل تفصيلي يقوم بجدولة المخطط وتنفيذه. ووجدنا بمركز مدينة عرابة على الأقل عشر بنايات لها تاريخها الإنساني وجمالها العمراني. بنايات يمكن ان تتحول الى مرافق سياحية أو متاجر تسوق منتجات مختلفة كتلك التي نجدها في أسواق سالونيكي (اليونان) او نبحث عنها في أسواق تركيا وعمان.
يشار الى أن بعض هذه الأملاك يمكن تحويلها الى غرف تحتضن السياح. وقد نشأت في احياء وادي النسناس والألمانية بمدينة حيفا عشرات الغرف السياحية التي تحتضن السواح. ومن يزور عمان في السنوات الأخيرة يشاهد نشوء وتطور الفنادق الصغيرة في الأحياء الشعبية. وتطورت في مدينة الناصرة وعكا نماذج الفنادق الصغيرة التي تعمل بالأساس في نهاية الأسبوع وتمنح أصحاب هذه المنازل المغلقة حاليا، مدخولا شهريا من تأجير البيوت الفارغة.
سهل البطوف والزراعة
يعتبر سهل البطوف من أهم وأفضل الأراضي الزراعية التي بقيت بملكية العائلات العربية. وتقوم عشرات العائلات ببناء "العزب" على أطراف سهل البطوف بسبب الفيضانات التي تمنع استخدامه للزراعة طيلة أيام السنة. وهنا أيضًا بشأن سهل البطوف هناك عشرات الخطط التي بقيت حبرا على ورق. ولكن المزارعين في سهل البطوف مرابطون ويقومون بزرعه وتسويق منتجاته الزراعية ومنتجات الحليب والدواجن.
لا يمكن الاعتماد اقتصاديا على الزراعة في البلاد بشكل عام. حيث تسيطر الكيبوتسات والموشابيم على التمويل الحكومي للمنتجات والزراعة بقيمة مليار شيكل سنويا. ولكن الأرقام تشير الى اعتماد حوالي 3% من العائلات العربية على الزراعة. وتقوم غالبية العائلات التي تملك أراضي في الجليل والمثلث بإنتاج كميات تجارية من زيت الزيتون وورق الدوالي والتوت ومنتجات اضافية تساهم جزئيا في دعم اقتصاد عشرات آلاف العائلات العربية.
ينتج سهل البطوف البصل والبطيخ والبطاطا وغيرها من المزروعات الى جانب تربية الدجاج البلدي والابقار. حيث تقوم بعض العائلات بإنتاج الجبنة العربية واللبنة وبيعها. وقد تطورت مصانع غذاء مهمة من المزارع العائلية. وإضافة إلى منتجات الزيتون نجد في سهل البطوف وجواره متاجر تسوق البيض مثل مزرعة "حلمي" في دير حنا وغيرها من المبادرات الناجحة.
التطوير الاقتصادي يحتاج الى خطط متكاملة وآليات تنفيذ
السياحة الداخلية والزراعة هي فرص للتطوير الاقتصادي وتسويق البلدات ويجب ان تتكامل مع مبادرات تقوم بتشجيع الصناعة والتجارة. ونرى بالمخططات لتطوير مناطق صناعية في مدن مثل شفاعمرو وعرابة فرصا لخلق علاقة تكاملية تساهم في رفع مستوى الدخل الذاتي للسلطات المحلية وللناس. إذ أصبحت المدن والقرى العربية فنادق تنام فيها نسبة كبيرة من الرجال العرب في نهاية الأسبوع، بعد عودتهم من ورش العمار والمصانع في المدن اليهودية مثل حيفا وتل أبيب وبئر السبع.
ما نبادر اليه بالتعاون مع السلطات المحلية مثل عرابة وشفاعمرو وكفرقرع وجسر الزرقاء وجلجولية يهدف الى دفع مخططات التطوير الاقتصادي إلى الأمام، من خلال تعميق الانتماء واستخدام مواطن القوة التي تملكها هذه البلدات من أرض وقوى عاملة ومبادرات وراس مال انساني ومالي.
حملات تسويق
تحتاج بلداتنا بشكل عام الى حملات تسويق تعطي الناس فكرة إيجابية عن البلد وتعطي معلومات حول مرافق البلد الاقتصادية. هناك مصانع او متاجر بمدينة طمرة او قرية يركا حولت هذه البلدات الى عنوان يتوجه اليه من يحتاج منتجات معينة. وهناك بعض البلدات مثل الفريديس التي يتم تسويقها بسبب ورق الدوالي وبيع الأسماك.
رافق برنامج "عرابة قلب الجليل" حملة علاقات عامة إيجابية تساهم باتخاذ موقف ومن ثم فعل. وهي عملية غير سهلة بالحملات الإعلامية. ونتيجة للحملة الاعلامية تم تحريك مجموعة من الزوار يوم السبت 17.5 ولكن ما سيبقى في الوعي لدى كل من شاهد مقابلات التلفزيون واستمع الى محطات الراديو خلال الأسابيع الاخيرة سيؤدي الى تصرف إيجابي يعمق الانتماء ويساهم بتوسيع الاستهلاك في مدينة تعمل على تطوير الإنسان والبنية التحتية. وقد رافق الزوار من خارج عرابة مجموعة كبيرة من الغيورين والغيورات على بلدهم الى جانب مجموعات الشباب المتطوع، حيث اكتشفوا فرصا ومواقع مروا بجانبها ولم ينتبهوا الى أهميتها التاريخية والعمرانية. وكلي ثقة ان ما انطلق يوم السبت 17.5.2025 في عرابة سيصبح نموذجا محليا وينتقل الى بلدات أخرى خلال الأشهر والسنوات القادمة.