المرأة الفلسطينيّة والنظام القضائيّ الإسرائيليّ - مركز مساواة لحقوق المواطنين العرب في اسرائيل

المرأة الفلسطينيّة والنظام القضائيّ الإسرائيليّ

شارك مع أصدقائك

 

عالية زعبي 

 

تواجه المرأة الفلسطينيّة العديد من التحدّيات في حياتها اليوميّة، بعضها يعود إلى الذكوريّة الّتي لا تزال تفرض نفسها في مجتمعاتنا العربيّة، والآخر يرتبط بالاحتلال الّذي يعزّز الظواهر السلبيّة القبائليّة، يغذّيها ويستخدمها آليّةً لفرض السيطرة على المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في الأراضي المحتلّة عام 1948 (داخل الخطّ الأخضر).

بالإضافة إلى الصراعات اليوميّة الّتي باتت تُعَدّ «عاديّة»، تواجه المرأة الفلسطينيّة تحدّيات قانونيّة قد تزيد صعوبة تقدّمها وتحصيل حقوقها الأساسيّة في الدولة الإسرائيليّة، الّذي يصل غالبًا إلى حدّ الإقصاء.

يتحدّث الباحث البرتغاليّ دي ساوسا سانتوس في مقاله «ما وراء التفكير السحيق» عن فئة «اللاقانونيّين»، الّتي تكون داخل مركّبات الدولة الحديثة، خاصّة في المجتمعات المستعمرة ومجتمعات ما بعد الاستعمار. ينطبق هذا الوصف بشكل كبير على وضع النساء الفلسطينيّات ذوات المواطنة الإسرائيليّة، حيث تتجنّب غالبيّتهنّ أيّ تماس مع المنظّمة القانونيّة الإسرائيليّة، ويفضّلن التعامل مع المجتمع المحيط المتحدّث للغة العربيّة في أغلب الأحيان. أدّى هذا الوضع إلى خلق مجتمع شبه فعّال داخل المجتمع المدنيّ، لا يعتمد بشكل أساسيّ على موارد الدولة. يرتبط هذا الأمر بحقيقة أنّ المرأة الفلسطينيّة دخلت إلى سوق العمل والأكاديميا متأخّرًا نسبيًّا عن الرجل، حيث اعتاد الأخير على هذا النوع من الاختلاط منذ بداية الاحتلال؛ الأمر الّذي - حتّى هذا اليوم - يضع النساء الفلسطينيّات على «الهامش»[1].

على الرغم من القدرة على مناورة الأنظمة الإسرائيليّة، وفي بعض الأحيان النجاح بدون اللجوء إليها، أكان ذلك عن طريق فتح مصالح صغيرة في المناطق العربيّة أم بطرق أخرى، تجد المرأة الفلسطينيّة نفسها مُجْبَرَة على مواجهة هذه الأنظمة بطريقة أو بأخرى، وبشكل خاصّ النظام القضائيّ، إن كان ذلك في ما يخصّ العنف الموجّه ضدّ النساء، وقضايا العمل، والإيجار، والقروض، والطلاق، وحضانة الأطفال، وغيرها من القضايا.

 

ثقة كلّفتهنّ حياتهنّ

تجد المرأة العربيّة بشكل عامّ صعوبة بالغة في التوجّه إلى الشرطة لتقديم شكوى ضدّ الرجل المعتدي أو العنيف، يعود ذلك إلى الصورة النمطيّة الّتي يرسمها المجتمع حول المرأة الّتي تحاول حلّ مشاكلها عبر التوجّه إلى «الغرباء»، أمّا النساء اللواتي اخترن بالفعل التوجّه إلى الشرطة، فبحسب المعطيات الّتي جمعها مركز الأبحاث في الكنيست خلال السنة الماضية، فإنّ نصفهنّ انتهى بهنّ الأمر بالقتل، ذلك على الرغم من معرفة الشرطة وجهاز الرفاه الاجتماعيّ بمشكلاتهنّ، والتهديدات الّتي يتلقّينها.

"توجُّه المرأة الفلسطينيّة إلى طلب المساعدة من جهاز الشرطة، غالبًا ما يؤدّي إلى نبذها من قِبَل المجتمع، ابتداءً من عائلتها والبيئة المحيطة بها؛ فالبقاء في بيتها، الّذي يوجد في أغلب الأحيان في قلب محيط عائلة زوجها، يحوّل حياتها وحياة أولادها إلى جحيم من اللوم والتنكيل الكلاميّ، بل العنف الجسديّ، وتُعتبر مصدرًا لـ ‘الفضيحة‘ والمشاكل"[2].

وتعود ظاهرة عدم تقديم بلاغ للشرطة إلى الخوف من العنف الانتقاميّ تجاه النساء المشتكيات وعائلاتهنّ؛ فالشرطة الإسرائيليّة تتجاهل حماية النساء المشتكيات أنفسهنّ، فكيف تحمي عائلاتهنّ؟

بين سنتَي 2013 و2015، وحسب تقرير البيانات الّتي قدّمتها منظّمة «يِشْ دين»، فإنّه من أصل 413 حالة، 30% فقط من الضحايا ذكروا بوضوح أنّهم غير راغبين في تقديم شكوى في الشرطة الإسرائيليّة.

 

الاعتياد الثقافويّ على التنكيل بالنساء العربيّات

بدل أن يلزم التنوّع الثقافيّ الدولة بتحديد معايير حقيقيّة للمساواة، وأخذ الحساسيّة الثقافيّة على محمل الجدّ، فإنّ نظام الشرطة الإسرائيليّ يستغلّ كثرة الاعتداءات الّتي تعاني منها المرأة في المجتمعات العربيّة؛ ليمارس أفراد الشرطة أنفسهم انتهاكات واعتداءات ضدّ النساء اللواتي يتوجّهن إلى الشرطة من أجل تقديم شكوى.

بالإضافة إلى ذلك، تُظْهِر الأبحاث بناء خطط تدخّل غير ملائمة وغير عمليّة للضحايا، ونقص في القوى العاملة، كالعمّال الاجتماعيّين وغيرهم من المهنيّين المؤهّلين للتعامل مع احتياجات النساء المعنّفات وضحايا الاعتداءات، وأمّا المهنيّون القلائل "فيجري تأهيلهم بناء على قيم ومفاهيم غربيّة استعلائيّة ومهيمنة"[3].

بإمكاننا أن نرى ذلك بشكل واضح في جريمة قتل وفاء عباهرة على يد طليقها، والتسجيل الصوتيّ لها مع الشرطيّ اليهوديّ، والتفاصيل الّتي نُشِرَتْ نقلًا عن موقع «عرب 48»: تحدّثت وفاء إلى الشرطة من ملجأ للنساء المعنّفات، وطلبت توفير الحماية لها من طليقها، القاتل، عند تنفيذ تسوية مسألة رؤية أبنائهما، وتقديم المساعدة في نقل الأولاد حتّى يراهم كلٌّ منهما (القاتل والضحيّة) بشكل منفصل. وخلال المكالمة، عبّرت وفاء عن رغبتها في الخروج من الملجأ؛ فطالبها الشرطيّ بتقاسم فترة مكوث الأطفال بينها وبين طليقها: "ثلاثة أيّام لكلّ واحد منكما"، فرفضت وفاء وقالت: "المحكمة لم تقرّر حتّى الآن بهذا الشأن، أرفض تسليمه الأطفال".

أوضحت عباهرة أنّها تخشى من عدم التزام طليقها، وأشارت إلى إمكانيّة رفضه إعادة الأطفال إليها، ولا سيّما في ظلّ عدم بتّ المحكمة في هذا الشأن، وتساءلت: "لو رفض، مَنْ يعيد إليّ بناتي؟"، فأجابها الشرطيّ: "نحن المسؤولون عن هذه المسألة"، في إشارة إلى أنّه يضمن لها إعادة الأولاد. وفي هذه المرحلة، تردّدت وفاء وقالت: "لا أعرف، ما أعرفه أنّ وظيفتك شرطيًّا تلزمك بحمايتي وحماية أولادي، عليك الاطّلاع على كلّ هذه التفاصيل، خاصّة أنّني أنوي الخروج (من الملجأ)، وأحتاج إلى حماية"[4].

 

البيروقراطيّة الإسرائيليّة وحاجز اللغة

تتابع الحكومة الإسرائيليّة تهميش اللغة العربيّة ومحوها من الحيّز العامّ، في المقابل تعزّز اللغة العبريّة؛ بهدف إبقاء الهيمنة الإسرائيليّة اليهوديّة، وعزل المجتمع العربيّ بحكم هويّته الفلسطينيّة. هو نوع إضافيّ من أسوار الفصل العنصريّ الّتي تُشَيَّد منذ النكبة حتّى اليوم.

يحدّ حاجز اللغة حركة المرأة العربيّة، ويمنعها من الاندماج في الساحة الأكاديميّة، وسوق العمل الرسميّ، والاستفادة من الخدمات العامّة، والتفوّق في المجالات الّتي تبرع فيها.

حسب معطيات «منظّمة العمل الدوليّة»، فإنّ نسبة مشاركة المرأة الفلسطينيّة في سوق العمل في إسرائيل متدنّية جدًّا، وتُعَدّ من أدنى النسب في العالم، وتصل فقط إلى نحو 21%. من الملاحظ أنّ هذه النسبة بقيت ثابتة تقريبًا منذ أكثر من عشرين عامًا، بعكس الزيادة الملحوظة لمشاركة المرأة اليهوديّة، الّتي وصلت نسبة مشاركتها في سوق العمل حاليًّا إلى نحو 95%، وهي من أعلى النسب في العالم[5].

يبرز حاجز اللغة في مواجهة المرأة الفلسطينيّة مع معضلة قانونيّة، تتطلّب منها معرفة أساسيّة في القوانين الإسرائيليّة المكتوبة غالبًا باللغة العبريّة، وقلّة ما تأخذ بعض المنظّمات أو مؤسّسات المجتمع المدنيّ على عاتقها ترجمتها ونشرها، بالإضافة إلى كومة مستندات قانونيّة تحتاج منها إلى فهمها وتعبئتها؛ إذ تجد نفسها في النهاية مجبرة على الاستعانة بمحامين لحلّ أبسط الأمور الّتي تحتاج إلى معاملات ورقيّة، حتّى لو لم تكن قانونيّة، وفي حال عدم توفّر الإمكانيّة المادّيّة يكون تجاهُل المسألة وتراكمها مع الوقت؛ لتعود بمشاكل مضاعفة في المستقبل.

 

المرأة الفلسطينيّة والمحاكم الشرعيّة

تُعَدّ المحاكم الشرعيّة والدينيّة في إسرائيل المعقل الوحيد للحكم الذاتيّ الفلسطينيّ؛ حيث إنّها المؤسّسة الوحيدة في الدولة الّتي تخضع بشكل مباشر لـ «وزارة العدل»، ولا يمكن المحكمة المدنيّة الإسرائيليّة أن تتدخّل في قراراتها. يُعَدّ تدخّل الحركات الليبراليّة في أحكام المحاكم الدينيّة هجومًا على استقلاليّة المجتمع الفلسطينيّ. تدفع المرأة الفلسطينيّة ثمنًا باهظًا إزاء هذا التناقض، حيث إنّ القانون الإسلاميّ المتّبع في البلاد ينظر إلى المواطنين من منظور بوست كولنياليّ، ويُسْتَخْدَم للسيطرة على المسلمين من حملة الجنسيّة الإسرائيليّة، وبحسب مقال الباحث عيدو شاحر «القانون الإسلاميّ كقانون محلّيّ»؛ فإنّ "استقلاليّة المحاكم الشرعيّة سيف ذو حدّين؛ إذ إنّها تتيح مساحة آمنة للعرب، بعيدًا عن أعين الدولة، لكنّها أيضًا تحرّر الدولة من الالتزام بالمساواة بين الجنسين".

شكّلت الحركات النسويّة السياسيّة في المغرب، وتونس، والجزائر، وغيرها من الدول العربيّة، ضغوطًا في أوائل التسعينات على المحاكم الشرعيّة؛ لتغيير «قانون الأحوال الشخصيّة»، أمّا في إسرائيل فلم يطرأ أيّ تغيير على قوانين الأحوال الشخصيّة[6].

حتّى يومنا هذا، لا تزال أهمّ المعارك الّتي تخوضها الحركات النسويّة تتعلّق بقضايا الأحوال الشخصيّة، مثل زواج القاصرات، وتعدّد الزوجات، وتمثيل النساء في الشؤون الدينيّة، وتعديل القوانين، وغيرها.

 


إحالات

[1] Boaventura de Sousa Santos, «Beyond Abyssal Thinking: From Global Lines to Ecologies of Knowledges», Review, vol. 30, no.1 (2007), pp. 45-89.

[2] «التـأثيرات الاجتماعيّة لتطبيق القانون الإسرائيليّ على النساء الفلسطينيّات في القدس الشرقيّة»، موقع جمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل، 11/12/2011، شوهد في 28/11/2021، في:  https://law.acri.org.il/ar/?p=2070

[3] نادرة شلهوب كيفوركيان وسائدة مقاري- ريناوي، «مناليّة العدالة للنساء الفلسطينيّات في إسرائيل»، موقع عرب 48، 26/11/2014، شوهد في 28/11/2021، في: https://bit.ly/3nYGs14

[4] محمود مجادلة، «تسجيل: وفاء عباهرة طلبت الحماية... والشرطيّ: لا تعلّميني شغلي»، موقع عرب 48، 18/11/202، شوهد في 28/11/2021، في: https://bit.ly/3lf14Rd

[5] International Labour Organization- ILOSTAT database, «Labor force participation rate, female (% of female population ages 15+) (modeled ILO estimate) », worldbank.org (Data retrieved on 15/06/2021), Retrieved 24/10/2021, from: https://bit.ly/3112uY9

[6] ליאת קוזמא (עורכת), לנוכח בית הדין השרעי: תהליכי שינוי במעמדן של נשים מוסלמיות בישראל ובמזרח התיכון (תל אביב: רסלינג, 2011).

 

المصدر: موقع فسحة 

https://bit.ly/3DsL58d

اشترك في القائمة البريدية
ادخل بياناتك لتبقى على اطلاع على اخر المستجدات
ارسل