بقلم: د. روضة مرقس-مخول
منذ بداية السنة، أدير مشروع شبكة النساء الرياديات في مركز مساواة في حيفا، ومن خلاله ألتقي بنساء مميزات جداً، كل في اختصاصها ونشاطها، وكل مرة التقي بهن، اتفاخر أكثر بالقوة الكامنة لدى نساء شعبنا، إن كان بتواجدهن القوي والمؤثر في الاقتصاد، في السُلطات المحلية كعضوات، أو كموظفات صاحبات وظائف بمراتب عليا ومؤثرة، بشركات رائجة، بالإعلام، بالمجتمع، بالمؤسسات التربوية، والصحية, بالفن، بالسياسة؛ و بقوة صمودهن بساحات النضال، مقاومتهن ببسالة ضد هدم بيوتهن إن كان بالنقب او بالمثلث أو بالضفة الغربية, او ضد الحرب والموت في غزة، وببسالتهن ضد الاحتلال والاعتقالات والملاحقات السياسية في الجامعات وأماكن العمل.
وباللقاء الثاني للنساء الرياديات قبل شهر تقريباً، وبمحاضرة للدكتورة مها صباح كركبي حول وضع النساء الفلسطينيات بالبلاد، ذكرت أثناء تقديمي الدكتورة مها للمشارِكات باللقاء، أن دور النساء الفلسطينيات في فترة ما قبل النكبة تم اغفاله لعقود، حتى بدأت مجموعة باحثات بعلم الاجتماع والانثروبولوجيا والتاريخ تقشرن طبقات التغييب المقصود وغير المقصود لهذا الدور الهام، فكتبن عشرات بل مئات المقالات وأبرزن الادوار المختلفة لنساء شعبنا.
وفي رسالة الدكتوراة التي حصلتُ على اللقب الثالث PhD من خلالها في جامعة بن غوريون، وفي مقالات عديدة كتبتها عن بحثي بالتاريخ الاقتصادي للنساء الفلسطينيات، ذكرت هذه الادوار وعددت تنوّعها.
اقتبس لكم هذه الفقرة عن نساء كفرياسيف. #كفرياسيف استغل من خلالها "عجقتنا" بالبلد بمئوية مجلس كفرياسيف المحلي، لأدلو دلوي عن ما جمعته (وما انشره هنا لا يتعدى واحد بالمئة مما جمعت).
لاهلي وبلدي، للنساء الرياديات ولزملاء وزميلات العمل في مساواة...اليكم ما كتبت:
"إذا راجعنا الجرائد التي صدرت في فترة الانتداب البريطاني، فلن نجد اسمًا لامرأة قروية حصدت دونمًا من الحنطة أو الشعير، أو قطفت حمولة بغل من التبغ، بين انبلاج الفجر وغياب الشمس، دون توقف. لن نصطدم باسم السيدة الكفرسية ""العسل ندّة"" التي عملت بإقراض المال للفلاحين المُدانين بفائدة بسيطة (مقابلة شفوية مع السيدة بربارة بصل 2014)، ولا عن الكادحة ""حجلة *"" التي عملت مساعدة بنائي الحجر، فحملت حجارة البناء على رأسها، أو ""قفّة البحص"" على كتفها، وصعدت على سلم للطابق الثاني لتناوله للبنّاء (مقابلة شفهية مع السيد شحادة مخولي 2016)، ولا عن أم الياس التي ""فتحت ما يشبه موقفا للسيارات بأيامنا هذه للجمال والبغال والحمير التي وصل بها أصحابها إلى ""سوق الخميس"" في إحدى قرى الجليل الغربي، و""أخذت قرش عَ الراس""، ووضعت للحيوانات التي أبقيت في عهدتها القش والشعير والماء الذي نشلته من عين الماء القريبة للسوق"" (مقابلة شفوية مع الأستاذ بطرس دلة 2016)، ولا عن شهيدة العمل حنة شاهين التي عملت في سجن عكا، وكانت ترجع مشيا على الأقدام في ساعات المساء ليخطىء الثوار المرابطين قرب المكر فيحسبوها، بسبب لباسها العسكري، من الهاغاناة ويردوها قتيلة (المصدر السابق)، ولا كلّ بائعات الجبن واللبن، ولا زارعات وقاطفات التبغ، ولا جوّالات الزيتون، ولا قرويات خليج حيفا غاسلات ملابس الجنود البريطانيين (مقابلة شفوية مع السيدة سعدة محمد الكوري- سويطي 2017). لكننا سنجد مقالات ومساهمات لنساء نشطنَ بالنوادي النسائية والجمعيات الخيرية في المدن الفلسطينية تخاطب جميع النساء وتدعوهنّ لأخذ دورهنّ بالتحرر وبالتعلّم والتثقيف الذاتي، سنلاحظ أن خطابهنّ منقطع نوعا ما عن حياة النساء الريفيات وواقعهنّ. فتجدهنّ يطالبن بالمساواة مع الرجل بالخروج إلى العمل، وبأخذ دور اجتماعي واقتصادي (يذكّر بخطاب النسويات الأمريكيات البيض) ولكنهنّ يتجاهلن، مثلا، الدور المركزي للنساء القرويات في المجال الزراعي (إن كان بالزرع وجمع المحاصيل والإنهماك بإعدادها بشكل يسمح بتصريفها وبيعها وتخزينها، أو بالاهتمام بالحيوانات والطيور، إلخ. رغم ما قامت به الصحافة الفلسطينية بما وصفه كبها كدور نضالي كبير في الحركة الوطنية الفلسطينية في فترة الانتداب، إذ كانت بمثابة مرآة للحياة السياسية في فلسطين، عاكسة للتيارات الموجودة فيها (كبها، 2005)، نجد أن الصحافة التي نشأت وعملت في المدن لم تساعد في تغيير الخطاب السائد حول المرأة القروية وأدوارها ووظائفها، ولم تكن عونًا لها أمامه. وأما النساء اللواتي كتبنَ في هذه المجلات والصحف فقد وقع قسم لا بأس به منهنّ في فخ الهيمنة الثقافية التي بسطها الخطاب الغربي، فذوّتن بعض معاييرها، وكما وصفته إيلين فلايشمان ب""العلاقة المركبة ما بين المستعمِر والمستعمَر"" التي أصابت بالأساس نساء الطبقة المتوسطة والعليا من بينهن (فلايشمان، 2003، ص 64)" (مقطع كنت نشرته في منصة "فارءة معاي").






