حيفا تفارق الأمان والبلطجية تنتشر في شوارعها - مركز مساواة لحقوق المواطنين العرب في اسرائيل

حيفا تفارق الأمان والبلطجية تنتشر في شوارعها

شارك مع أصدقائك

جعفر فرح- مدير مركز مساواة
 
عشرات طلاب وطالبات على رصيف شارع كيساريا تملا عيونهم الدموع وعلى ملابسهم شعار الكلية العربية الاورثوكسية. تخرج ميار وتصرخ "بدي بابا" وشباب في مقتبل العمر يجهشون في البكاء على مشهد جثمان خليل في طريقه الى سيارة  الموتى السوداء. مئات المشيعين في إنتظار وداع خليل بجانب البيت, وفي المقبرة الإسلامية, والجميع يتساءل اين الأمان في ظل البلطجية وفوضي المسدسات, الذي طال خليل هذه المرة وطال محروس زبيدات في السابق. ويتكرر نفس المشهد في كل جنازة صمت وحزن وبكاء وعائلات منهارة وطلاب مدارس تدور في رأسهم ألاف الاسئلة حول مستقبلهم وحياتهم في هذه المدينة. بين الطلاب عشرات الوجوه التي إنتقلت الى مدارس المدينة بحثا عن أفضل المدارس وهاربا من العنف المستشري في قرانا.
 
طلاب الطيبة الذين خرجوا للتظاهر على إغتيال مدير المدرسة يوسف حاج يحيى هم ضحايا العنف والجريمة المستشري في مجتمعنا. على بعد عدد من شوارع الاحياء العربية يزور الطلاب اليهود التخنوداع ويتحدثوا عن مستقبلهم في عالم الهايتك وأبنائنا في طريقهم الى المقبرة لدفن مدرس بعد ان دفنوا زميل لهم.
 
وعندما تسأل الناس عن سبب القتل يأتي الجواب "سبب تافه نقاش على بكيت دخان" ولكن الجواب الحقيقي اعمق بكثير. الإنهيار القيمي الذي يعاني منه مجتمعنا وأفراد في هذا المجتمع يهدد النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي. القتلة متنوعون وسلاح الجريمة معروف ومتوفر على مرأى ومسمع من الشرطة والمخابرات المعنية في خلق حالة من الفوضي والذعر والبلبلة في مجتمعنا. السلاح متوفر في المجتمع اليهودي الذي يخدم في الجيش ولكنه لا يستخدم في الاعراس ولا في ليلة الفوز في الانتخابات. عالم القيم الذي نعيشه هو عالم يمكن تسميته باسماء عديدة منها النفسية "الداعشية" التي تسمح لنفسها بذبح الانسان امام الكاميرات. يسحب المسدس في مجتمعنا على أتفه الأسباب ويقتل إنسانا على أتفه النقاشات.
 
نتحول تدريجيا من مجتمع متحاور يجلس على "فنجان قهوة" ويتحاور على أكبر المشاكل ويحاول ان يحلها الى مجتمع يتحول نقاش التافه الى صراع عنيف. الإنهيار القيمي الذي يسمح للانسان ان يدوس على حق جاره ويتجاهل الظلم ويصمت على الجريمة ويرفض ان يعتذر على الخطأ هو مجتمع يخطو بسرعة الى نفسية داعشية ستؤدي الى حرب أهلية دامية. مجتمع لا يعرف شبابه شعر محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وعندما يلتقي في الشارع مع د.حنا ابو حنا وفتحي فوراني ومحمد ميعاري لا يعرفهم هول مجتمع لا يثقف شبابه وينشئ جيل جاهل للقيم الانسانية. جيل يتراسل بواسطة "السيكريت" والشبكات الاجتماعية السرية هو جيل مبني على أسس هشة وسينزلق الى العنف على أتفه الاسباب.
 
حيفا بكافة أطيافها يجب ان تتدارك الانهيار القيمي الحاصل, وعليها ان تعمل على إعادة بناء النسيج الاجتماعي بين أهلها وأفرادها وأحيائها. يقف البعض ويعتقد انه وأولاده وعائلته محمي من هذا العنف. يكفي ان ندخل الى حي عباس لنشاهد يوميا العنف الكلامي على ايجاد موقف للسيارة. بدل ان يتجند الحي لمطالبة البلدية في بحل أزمة السكن ومواقف السيارات نشاهد يوميا صراعات داخلية تنهك طاقاتنا النفسية والاجتماعية. ولا اريد ان اتوسع في ما يحدث في حي الحليصة.
 
لم يقتل خليل بسبب نقاش على علبة دخان رفض ابنه ان يبيعها لقاصر، لم يقتل محروس بسبب نقاش مع زميل له : هم قتلوا بسبب أزمة قيمية عميقة يعاني منها مجتمعنا وتغذيها مؤسسات الدولة التي ترفض ان تتدخل وتفرض سلطة القانون على أحيائنا, بهدف خلق حالة من الشرذمة والخوف والتشنج والجهل. بدل ان ترصد عائلاتنا مواردها بهدف تحصيل الحق في التعليم والثقافة أصبحت ألاف العائلات تبحث عن المسدس غير القانوني لتحمي نفسها في جارها. مجتمع يسمح في بانتهاك حقوق أفراده ويتجاهل القيم الانسانية مثل الاحترام والحوار, سيدفع ثمنا دمويا غاليا, ولن يكون خليل أخر ضحاياها. يكفي ان ننظر الى لبنان وكيف دخل حربه الاهلية التي دامت اكثر من 30 عاما, والى ما يحدث الان في سوريا والعراق لنفهم ان الاقتتال المجتمعي لا يبدأ بسبب "المؤامرة الدولية" ولا بسبب علبة دخان بل بسبب ضحالة ثقافة أفراد هذا المجتمع وانهيار قيمه الانسانية. نطالب الشرطة ان تتحمل مسؤولياتها ولكن مطلوب ان نتحمل نحن مسؤولياتنا في تربية جيل يحترم حقوق الانسان ولا يستهتر في حياة الاخرين.

اشترك في القائمة البريدية
ادخل بياناتك لتبقى على اطلاع على اخر المستجدات
ارسل